في تطور وصفه خبراء الطاقة والفضاء بأنه ثوري، كشفت الصين مؤخرًا عن تنفيذ مشروع أول محطة طاقة شمسية فضائية في العالم، حيث تهدف لنقل الطاقة الشمسية بشكل مستمر من الفضاء مباشرةً إلى الأرض، متجنبة بذلك قيود الطقس وتعاقب الليل والنهار التي تحدّ من أداء المحطات التقليدية.
المشروع الصيني، المخطط أن يبدأ إنتاجه التجاري الفعلي في العقد القادم، يعتمد على إرسال ألواح شمسية عملاقة إلى مدار ثابت على ارتفاع يتجاوز 36 ألف كيلومتر عن سطح الأرض. ومن هناك سيتم التقاط ضوء الشمس بشكل دائم، وتحويل الطاقة إلى موجات ميكروويف أو أشعة ليزر تُرسل بأمان إلى محطات استقبال أرضية، ليُعاد تحويلها إلى كهرباء صالحة للاستخدام الفعلي في الشبكة المحلية.
أهمية هذا الإنجاز تتجاوز مجرد التوفير في انبعاثات الكربون وتقليل الاعتماد على الفحم والنفط؛ فهذه التقنية تتيح للصين مد مناطق نائية والتي تفتقر للبنية التحتية أو تعاني من ضعف مصادر الطاقة الشمسية، بطاقة نظيفة وموثوقة، ما يعزز أمن الطاقة الوطني، ويضع الصين في صدارة الدول التي تنتج وتصدّر هذا النوع من الطاقة المتجددة.
على الرغم من أن فكرة الطاقة الشمسية الفضائية طُرحت نظريًا منذ ستينيات القرن الماضي، فإن الصين تجذب الآن أنظار العالم بعد نقلها المفهوم إلى طور التطبيق، في ظل متابعة حثيثة من وكالات الفضاء في أوروبا وأمريكا واليابان. هذه الجهات تراقب تقدم المشروع وتأمل استنساخ تجاربه محليًا مستقبلاً.
من جهة أخرى، لم تغفل الصين عن التحديات التقنية والبيئية المرتبطة بنقل الطاقة عبر موجات الميكروويف لمسافات طويلة، وقد بدأت باختبارات مصغّرة لضمان أمان كثافة الطاقة وصلاحيتها للاستخدام دون التأثير في البشر أو البيئة المحيطة. بالإضافة إلى ذلك، يجري العمل حاليًا على تطوير صواريخ ثقيلة (لونغ مارش-9) قادرة على حمل أجزاء المحطة إلى المدار المطلوب، وسط تطلعات أن يبدأ التشغيل الأولي بحلول عام 2030، مع الوصول إلى الطاقة الكاملة بحلول 2040.
هذا المشروع لا يعكس فقط طموح الصين العلمي والهندسي، بل يضعها كمنافس محتمل على لقب “أوبك الطاقة الشمسية الفضائية”، في عالم يتسارع نحو التخلص من الوقود الأحفوري، وتحقيق الحياد المناخي ضمن جدول زمني صارم. وإذا نجح الجانب التقني والاقتصادي لهذا المشروع، فقد نشهد مستقبلاً انتقال تقنيات نقل الطاقة لاسلكيًا وتوليد الكهرباء خارج الأرض لخدمة مشاريع فضائية أخرى مثل قواعد القمر والمريخ.
بهذا التحرك الطموح، ترسم الصين ملامح عهد جديد للطاقة النظيفة والاستدامة، والأنظار في السنوات القادمة ستتعلق على نتائج هذا السباق التكنولوجي العالمي.